صور من رحمة رسول الله
رحمة رسول الله بكبار السن والأطفال
أمّا عن صور الرحمة في حياة رسول الله فهي لا تعد ولا تحصى، ولننظر إلى رحمته بكبار السنِّ والأطفال؛ فعن رسول الله أنه قال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا"[6]. فما أعظم هذا المجتمع الذي ربَّاه النبي ليتراحم الجميع فيما بينهم امتثالاً لأقواله !
رحمة رسول الله بالمخطئين
ونجد رسول الله رءوفًا رحيمًا بالمخطئين، الذين جاءوا يعترفون بذنوبهم، فقد لا يستطيع أحدهم أن يرفع عن نفسه حرج الذنب، فيأتي لرسول الله لعلَّه يرفع عنه ما أسرفه على نفسه، وسيرته مليئة بالشواهد الدالَّة على ذلك، ومن أمثلة ذلك ما يرويه أبو هريرة فيقول: بينما نحن جلوسٌ عند النبيِّ إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكْتُ. قَالَ: "مَا لَكَ؟" قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائمٌ. فقال رسول الله : "هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟" قال: لا. قال: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟" قال: لا فقال: "فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟" قال: لا.
قال: فمكث النَّبيُّ فبينا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ بِعَرَقٍ[7] فيها تمر، قال: "أَيْنَ السَّائِلُ؟" فقال: أنا. قال: "خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ". فقال الرَّجل: أعلى أفقر منِّي يا رسول الله؟ فواللَّه ما بين لابَتَيْهَا[8] -يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ- أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي. فضحك النبيُّ حتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثمَّ قال: "أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ"[9].
فما أرحم هذا التعامل من رسول الله ! فقد ظلَّ يُعَدِّد عليه وسائل الكَفَّارة بلا انفعال أو غضب، بل قابل الأمر بالابتسامة التي تعطي المخطئ نوعًا من الاطمئنان النفسي، وعندما أبدى الرجل عجزه عن فعل أيٍّ منها لم ينزعج رسول الله ؛ بل جاء له بتمر صدقةٍ أتاه، وقال له: خذ هذا التمر وكفِّر به عن ذنبك.
رحمة رسول الله في مجال العبادة
وظهرت رحمة رسول الله كذلك في مجال العبادة؛ فقد شكا إليه رجل، فقال: والله يا رسول الله، إني لأتأخَّر عن صلاة الغداة[10] من أجل فلان ممَّا يُطيل بنا. فما رأيتُ رسول الله في موعظة أشدَّ غضبًا منه يومئذ، ثم قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ؛ فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ، وَالْكَبِيرَ، وَذَا الْحَاجَةِ"[11].